كطلقة بندقية ذهبت الرصاصة على مهل تنخر الجسد العراقي و تتشتت فيه لتنهك
كل أعضائه فيسقط الجسد في غيبوبة طويلة لا نعلم متى يستيقظ منها,طشاري رواية حدث و
تاريخ موجز للعراق الحديث العراق بلد الحضارات و أول الكتابات و أول القوانين و
الأول في الكثير من الأمور حتى الألم و حتى التعود على الفقد و الموت, دائما ما
أقول أنه ليس هناك رومانطيقية في الموت إلا أن انعام كججي أبت الا ان تقدم لنا
الموت مستعجلا على الإفصاح عن رأيه و أصبح الفقد روتينا يوميا لكل عراقي بكافة
أطيافه , فهل كان السقوط و تهاوي النظام بريئا أم أن البراءة لعبة تستكين بصمت خلف
الأقنعة المجهولة, طشاري رواية التغريبة العراقية مسيرة شعب ناضل من أجل البقاء
ببلده حتى خانته الظروف و خانته قدرته على التنصت بحذر على الموت و تجنبه ففضل
الاندثار في غربة مفروضة بكل أرض قصية على القنابل الإنسانية المفخخة خلف كل زاوية
و كل كرش امرأة مكورة, طشاري تحكي هذه المرة حكاية مسيحية حاولت الكاتبة أن تجعل
من الدين و الطائفية في الرواية مجرد شكل لا يختصر الألم العراقي كما حاولت أن
تعبر أن المسيحية ليست سوى ضرورة روائية للتعبير عن التناسق المجتمعي الذي كان
سائدا بالعراق قبل الانهيار الكبير فالطبيبة وردية عاشت بالديوانية مع أطياف مسلمة
سنية و شيعية في تناغم تام وصل حد الخروج في مسيرات الجرح الجسدي الشيعية أو حضور
الحسينيات و الاستماع للطميات أو حضور مناسبات سنية وتقبل كل الطوائف في عيادتها الرواية
ليست عن الطائفية بل عن المعنى السلبي
للحرب على روح الأخوة و المواطنة العراقية, الكاتبة تحمل الحرب تبعة ذلك كله و
تبعة ديسبورا العراقية و تبعة أموات بلا مدافن قارة أو تلك المجهولة, المقبرة
الافتراضية التي خلقها اسكندر ابن ابنة أخيها العسكري السباق ليست سوى افتراض
المفروض و البديهي المقصى من حياة العراقيين الآن.
سيرة رافقت أكبر الأحداث التي مرت على العراق منذ سقوط الملكية و قيام
الجمهورية و الصراع بين الاشتراكيين و القوميين و ما تبع ذلك من سنوات الرصاص
العراقية و اعتقالات ومنافي وتغييرات اجتماعية ملحوظة
هي سيرة امرأة عراقية سبق أن شاهدت
بعضا من أجزائها مع عالية ممدوح في روايتها المحبوبات نساء عاشوا بكرامة و رفضوا
الانصياع لقدر أجبرهم على الخنوع لشيء مبهم لم تدركه العقول بعد, غموض يلف المكان
و الزمان و يضفي ضبابا على تاريخ بلد يحاول مجهدا الاستمرار في ذهن من ولد خارجه,انعام
تعالج مشكلة المقيم بالعراق و المقيم خارجه فلا أحد منهما استعصى عليه الألم و لكل
شخص إرهاصاته الذاتية و الشمولية , و المثير في هذه الرواية طريقة السرد و تفرده
بشكل يجعلك تشعر بمشاهدة مسلسل تلفزي يبتدأ براوي عام يقدم الشخصية الرئيسية
"وردية" ليمنح لبعض الشخصيات حق رواية حيواتهم بالطريقة التي تناسبهم
سرد أو رسائل , قسمت انعام الرواية لفصول كمشاهد سينمائية اعتمدت فيها على تقنية
الفلاش باك للعودة الى التاريخ و اسقاطاته الحالية كان الأمر مثيرا بداية الى أن سقطت
الكاتبة في فخ التقرير نهاية الرواية بشكل بترها و كأنها كانت مستعجلة من الانتهاء
منها و هذا الأمر بتر معه انتباهي , كما بدت حكاية بعض الشخصيات أكثر وضوحا و
سلاسة عن غيرها من الحكايات فمثلا حكاية هندة أخذت حيزا أكبر من حكاية ياسمين كما
جاءت قصة اللجوء الى فرنسا و مشهد قصر الاليزيه ضعيفا نوعا ما و لا يوضح المشهد
العام للمهاجر المغترب رغم البداية المشوقة للمشهد بعبارة هذا هو قصر الاليزيه
اذن" فافترضنا أن القصة ستحكي حكاية مغترب لنجدها تحكي قصة مقيم و تاريخه أما
الاغتراب فهو نتيجة فقط.
حاولت الكاتبة أن تبدو ثابتة في كتابتها للرواية و تمكنت من أن تروي قصتها
بشكل إخباري بعيدا عن العاطفة لكن الرواية
العربية المشوبة بهمها الوطني و العربي أبت إلا أن تخرج رواية وفية للتقاليد
الروائية العربية التي تخاطب قلب القارئ قبل عقله فتعاطفنا جميعا مع الشخصية
الرئيسية وردية و مع عائلتها و باقي تفاصيل قصتها بدون التركيز على هويتها الدينية
و هو أمر يحسب للكاتبة لكنه أصابني قليلا بالملل بعد أن قرأت ثلاث روايات تصب كلها
في نفس المنحى دول لم تمنح لشعبها أي اكتفاء عاطفي و مجتمعي و بدل أن تؤمن له حياة
كريمة دفعته إلى اللاانتماء بأي شكل كان.
و أخيرا بالنسبة للعامية العراقية فلم أجد صعوبة في فهمها و هذا شيء لا أعاني
منه بالنسبة لكافة اللهجات العربية الأخرى , لكن هذا لا يمنع أن اشدد مرة أخرى كما
فعلت مع رواية طائر أزرق يحلق بجانبي أن تجتهد دور النشر و الكتاب في وضع هامش
لشرح المفردات العامية فهذا لن يضر أحدا.
Commentaires
Enregistrer un commentaire