خريطة توضح رحلة ليون الكبرى |
ليون لافريقي
ليون
الافريقي , أو كما أحب أن أناديه بيني و بين نفسي دائما (الحسن الوزان),المعضلة و الأحجية
و الشخصية الجدلية التي أراقت مداد الكثير من الدارسين و أثارت مشاعر متناقضة من
الحب و الاعجاب و الاحتقار و الاتهام بالعمالة و الخيانة,من العيب أن تكون شخصية
عربية على درجة مهمة من الثقافة المزدوجة و عاشت في فترة حرجة و تظل في اقبية
التاريخ العربي و الاسلامي حتى يـأتي مستشرق فرنسي هو لويس ماسينيون ليبعثه من
جديد بعد دراسته لكتاب ليون وصف افريقيا *,و الذي نجد له ذكر في رواية معلوف دون
التركيز عليه او تقديم اي شروح جانبية و هذا أجده من جانبي تقصير كبير, قدم
ماسينيون ليون الافريقي للعرب و العالم من خلال كتابه لوحة جغرافية لليون الافريقي
سنة 1906 و هي دراسة تكاد تكون مفقودة و عمدت المكتبة الوطنية المغربية الى اعادة
نشرها سنة 2006.
يأتي أمين
معلوف من جديد لإحياء ذكراه في رواية بشكل انطباعي لحد ما و رومانسي بالتركيز على
حياته الشخصية وحياته الخاصة انطلاقا من الأزمنة و الأمكنة التي زارها و عايشها,
يقول أمين معلوف حين سئل عن سبب اختياره لليون الإفريقي ” اخترته لأنه شخصية منسية إلى حد ما ….
وأنا اعتبر انه ينتمي إلى التاريخ الذي أنا انتمي إليه ؛ ولذا فاني اشعر بان هناك
صلة روحية بيني وبينه . من الضروري أن تقع إضاءة حياة رموز في حضارتنا عرفت
بالانفتاح واشتهرت بالمغامرة والتوثب ؛ والطموح إلى كشف المجهول والغامض ؛ وكانت
جسورا بين حضارات مختلفة مثلما كان ليون الإفريقي.",فمن هو ليون يوحنا الاسدي أو الإفريقي
أو الرومي , من هو الحسن الوزان, الأسماء بداية قد تجعلك تربطه بأمة معينة دون
غيرها و سيجيبك معلوف في أول الرواية مانعا إياك من التخمين الذي قد يحول دون الوصول لهدف معلوف وهو التركيزعلى مسألة حوار الحضارات و تقارب الديانات و الثقافات و لعل الحسن
الوزان ليس سوى صورة اعتمدها معلوف ذاته و تبنى تفكيره فنجده في الصفحة الأولى بعد
الإهداء يأتي بعبارة لشاعر ايرلندي و.ب.ييتس "لا ترْتَب مع ذلك بأن ليون الإفريقي , ليون
الرحالة , كان أيضا أنا" , معلوف في أول
الرواية يجبرك أن لا تقيد الحسن الوزان في اسم و أمة فيقول "لم أصدر عن أي
بلد,و لا عن أي مدينة ,و لا عن أي قبيلة,فأنا ابن السبيل, وطني هو القافلة و حياتي
هي أقل الرحلات توقعا." اعترف بأن هذه الجملة أغاظتني جدا و لمت معلوف عنها و
تساءلت عن سبب تبرؤ الحسن الوزان من أصله الأندلسي أولا و الإسلامي ثانيا و ما
الضير من أن يكون متسامحا كما أراده معلوف و أن يحتفظ بهوته هذا أمر ما زال يثير
زوبعة في عقلي,معلوف أراد لشخصيته أن تسبح حرة دون قيود جغرافية أو دينية أو
قومية تبتعد بالتالي عن التوصيف الإيديولوجي
,معلوف أراد من الحسن الوزان أن يكون صورة تجسد العالمية المعاصرة لكن أجد من الواجب أن
نقدم ترجمة للحسن الوزاني تنفي أي التباس عن اصله و لا أرى أن هذا يتعارض مع عالميته
بل يثير مسألة الأنا و الآخر بشكل ايجابي و مثمر.
هو الحسن بن
محمد الوزان الرحالة المغربي المشهور باسم ليون الإفريقي. ولد بمدينة غرناطة
وانتقلت أسرته وهو صغيرا إلى مدينة فاس حيث شب والتحق للدراسة بجامع القرويين. ثم
عمل بعد ذلك لذا السلطان محمد الوطاسي المعروف بالبرتغالي .الذي قربه وكلفه بعدة
مهام سفارية، مما جعله يكتسب معرفة كبيرة ببلاد المغرب وإفريقيا وبعض البلدان
الشرقية والأوربية. وهو ما شجعه على كتابة مؤلفه وصف إفريقيا.
وأثناء
عودته من تونس سنة 1519 من إحدى رحلاته وقع أسيرا في يد قراصنة صقليين قدموه
للبابا جون ليون العاشر بمدينة نابولي الإيطالية. هناك تم تنصيره وتسميته بليون
الإفريقي أو يوحنا الأسد الغرناطي. وكلف بتدريس اللغة العربية لرجال الكنيسة، كما
تعلم اللغة اللاتينية وألف بها عدة كتب منها معجم عربي عبري لاتيني وكتاب في
التراجم و"وصف إفريقيا" وهو القسم الثالث لكتاب الجغرافيا العامة الذي
ضاع الجزءان الأول والثاني منه
تشير المصادر إلى أن ليون الإفريقي اختفى من روما في
ظروف غامضة حوالي 1550 ورحل إلى تونس ليعود إلى إسلامه. ومن تم انقطعت أخباره فلا
يعرف أعاد إلى بلاده أم بقي في تونس. ويرجح أنه توفي في نفس السنة.
هذه
هي الترجمة التي نجدها في أغلب المصادر التي تتحدث عن الحسن الوزان و التي كون
منها بالطبع معلوف مادته العلمية .
الرواية
جاءت الرواية بصيغة المتكلم , و المتكلم هنا هو الحسن
الوزان ذاته حيث يقوم بكتابة مذكراته لابنه يوسف و هو في طريق عودته الى تونس
المستقر الأخير لرحلته الطويلة التي دامت أربعين سنة,الرواية تاريخية بامتياز في
قالب سيرة حياة تصف المكان و الزمان بما يرافقهما من عادات و تقاليد و ثقافات لكل
فئة و لكل وطن و كل أٌمة و كل قومية أجاد ليون في تقرير كل هذا بموضوعية دفعت
الكثير من الباحثين الى انتقاد كتابه الأول "وصف افريقيا" و من بعده
كتاب معلوف ليون الافريقي, للأسف فنحن شعب نقبل بسلخ الذات و لكن لا نقبل بمواجهة
أنفسنا أمام المرايا لتجنب السلخ , نحن شعب نحتاج للمآسي ولا نتجاوزها بقليل من
الموضوعية بل نكتفي بالبكاء على الاطلال ,عمد معلوف ( أو ليون باعتباره كاتب
المذكرات )الى تقسيم روايته الى أربع كتب تختصر رحلته الكبرى من غرناطة و فتنتها و
براءتها الى فاس وعذاباتها الى القاهرة و مآسيها ثم أخيرا روما و حكمتها , زرنا كل
تلك المدن و غيرها من الأمكنة بعين ليون و تعرفنا على شخصيات التقى بها و على أدق
تفاصيلها فليون كان يهتم بالشخص اهتمامه بالمكان و الحوادث فنجده يفرد أعواما (فصول)
لشخص معين كعام سلمى الحرة و عام الجركسية و عام سليمان و عام أدريان و غيرهم و هو
في هذا كان منصفا و تجنب أن يطغى قلبه و دينه على قلمه,فهل كان ليون خائنا لأمته و
دينه كما يعتبره العديد من الدارسين أم فقط رحالة و مؤرخ اضطرته الظروف أن يتنصر ,
المثير أن الكثير من الدارسين المسلمين يعتبرونه شبيها للورنس العرب باعتبار أنه
كتب كتابه وصف افريقيا بناء على طلب الفاتيكان
و أن الغرب اعتمد على هذا الكتاب بشكل كبير اثناء الحملات الامبريالية التي
استهدفت القارة السمراء و أجد الأمر غريبا أن نتهم ليون ولم
تصلنا النسخة العربية من كتابه بل الترجمة الايطالية منه و لا يخفى ما قد
يلحق هذه الترجمة من حشو و تغيير,عموما الأمر يحتاج الى تحقيق و دراسة أكبر فلندع
أمرها للباحثين و نعود لرحلة الغرناطي عبر المدن الأربع.
كتاب غرناطة :
يبدأ الراوي حكايته بسرد مجموعة أحداث ماضية عن تاريخ
ولادته ,فيحكي قصة والدته سلمى الحرة و الغريب في هذه الرواية أن ليون السارد أو
معلوف الكاتب فضل ذكر أسماء الأبوين و تخلى عن لفظتي الأم و الأب و ربما هي وسيلة
لجعل الكتاب أكثر موضوعية و اقناعا, عام سلمى الحرة قربنا من غرناطة الجنة
المزدهرةو بالخطر المحدق بها من جراء تنافس الملوك و اقتتال الابناء و الآباءو مع
كل عام نتعرف على شخصيات جديدة و أحداث اكثر فنقرأ عن صراع الفقهاء ( شخصية استغفر
الله المثيرة) و العلماء ( الطبيب أبو عمر), كتاب يشرح بشكل مختصر سبب سقوط غرناطة
و الذي يرجع حسب ليون للتناوش بين آخر ملوك الاندلس ابو عبد الله و أمه من جهة و
أبيه و زوجته ثريا من جهة ثانية صراع عائلي انتهى بمأساة طالت أمة بكاملها و هي
حكاية توسع فيها انطونيو غالا في روايته المخطوط القرمزي و نجدها ايضا في ثلاثية
غرناطة و غيرها من الروايات,في هذا الكتاب لا نجد شخصية ليون حاضرة بقوة لصغر
سنه لهذا اعتمد على ما حدَثه به أبوه وخاله فجاء الكتاب فقيرا من ناحية وجهة النظر
الشخصية لليون,ينتهي الكتاب بالنزوح القسري للعائلات المسلمة و اليهودية الى
المغرب هربا من محاكم التفتيش و ان كان الوزان نزح لسبب آخر و هو الهروب بزوجته
الثانية الرومية وردة فتبدأ الفترة المؤسسة لشخصية ليون بفاس.
كتاب فاس
نجد في هذا الكتاب حضور لشخصية ليون و بداية تكوينه
الاجتماعي و الثقافي و الديني.فيصور ليون صراعه النفسي مع ابيه بعد رؤيته في حانة
و بعد قبوله لتزويج أخته مريم لشخص سيء, في هذا الكتاب تتطور علاقاته بأمه و زوجة
والده و بأخته مريم كما ينشئ صداقات سترتبط بكل حياته, في هذا الكتاب يقوم ليون
بأولى رحلاته و أولى سفاراته و سيتولى خاله تعليمه المبادئ الأولى للسفارة فيزور
تامبوكتو و في الرحلة نتعرف على شعوب يتميز بعضها بالغنى الفاحش و البعض الآخر
يقاوم رعب الصحراء و الفقر, حياة ليون في فاس تسطر آخر العهد الوطاسي و بداية صعود
السعديين بالمغرب الذي سيؤسسه فعليا احدى أصدقاء طفولته, و نجد ضمن فصوله قراءة
للحياة الاجتماعية للفاسيين بمختلف مشاربهم و دياناتهم فيفرد أعوام كعام الحمام و
عام العارفين و عام العرس و أحببت عام الأسدين فعجيب أن أقرأ أنه في فترة كانت
هناك أسود بقرب فاس و هو ما يعرف بأسد الأطلس المنقرض حاليا,تتوالى الأحداث في هذا
الكتاب دافعة ليون للمنفى الاجباري من جديد فيرحل باحثا عن مغامرات جديدة .
كتاب القاهرة
يدخل الحسن الوزان أو ليون القاهرة و هي متشحة بثوب
الطاعون الذي حصد الآلاف و تمنحه الصدفة (التي كثيرا ما كانت بجانبه و هو أمر لم
استصغه كثيرا على طول رحلته) فرصة الحصول على ملك يلجأ اليه فيبدأ رحلته الكبرى
الثالثة في القاهرة و يصدم لأول مرة بعشق يهز كيانه و أحلامه حين يلتقي بالجركسية
نور و أم لابن باحث عن الخلافة قد تهز خلافة العثمانيين و التي يعتبرها الوزان
أملا في عودته الى غرناطة لكنه يؤجل حلمه و يختار حماية بايزيد و أمه حماية دفعته
الى الرحيل مجددا بعد سقوط القاهرة بأيدي سليم الأول, فيعود لفاس ليجد والده و قد
توفي وأخبار مثيرة عن هارون و مريم فيتتبع أثره الى الجزائر.
كتاب روما
في هذا الكتاب تتغير حياة ليون جذريا فيذوق محنة الأسر
بعد اختطافه من طرف قراصنة يشتغلون لحساب البابا ليون العاشر هذا الأخير الذي تبنى
ليون و عمده باسمه الذي اشتهر به في التاريخ هذا التبني منحه الفرصة لتعلم ثقافة جديدة و لغات
أكثر و التقرب من الديانة المسيحية تلك التي أجبرته سابقا على الرحيل من غرناطة
لكننا لا نجد هذه المقاربة في الرواية و كأن ليون قد تناسى هذا الأمر و غرق في
حياته الجديدة بل أحب من جديد و أنجب الولد من امرأة يهودية, لم أحب هذا الكتاب
كثيرا لما فيه من مسح للشخصية العربية المسلمة* لكنه من جانب آخر عرًفنا بالمشاكل
التي عرفتها الكنيسة المسيحية في تلك الفترة بين المد الجرماني و اللوثري و
الاطماع التركية في اوروبا و هذا أمر حرك مشاعر ليون من جديد لتحقيق حلمه القديم و
هو خلافة مسلمة توحد المسلمين لكن يجد نفسه مرتبط بالأرض التي عٌمد فيها و لن يفكر
في الخروج منها الا بعد سقوط روما في يد الجرمان.
و تنتهي الرواية بعودة ليون الافريقي لتونس التي سيستقر
فيها بعد رحلة طويلة مزقها السقوط المثير
لكل عاصمة يدخلها ليون و هو أمر جعله يتساءل عن دوره في هذا السقوط بعد رفاهية و
نعيم ويتسائل أيضا عن الهوية الحقيقية و ضياعها في مسميات الآخر كل هذا لخصه لولده في شبه وصية أخيرة في آخر صفحة من الكتاب و كأنه يورث ولده هم الحصول على أجوبة كل ما يحيره .
* توقيع ليون بالاسم العربي و بعده اللاتيني
Commentaires
Enregistrer un commentaire