فرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي


صدرت الرواية عن منشورات دار الجمل، في حلة أنيقة كما عودتنا هذه الدار تقع الرواية في 353 صفحة من القطع المتوسطة، ومقسمة على 19 فصلاً , على خلاف الروايات العربية تجنب الكاتب  أحمد سعداوي كتابة تقديم  للرواية أو تقديم إهداء على غرار الرويات,  يبدو من الإسم أنه اقتباس من الرواية العالمية لماري شيري و يكون بهذا سعداوي يؤسس الى جانب روائيين غربيين و عرب لشكل جديد من الكتابة الروائية التي تقوم على أعمال قائمة و الأمثلة كثيرة نأخذ منها مثالا كافكا على الشاطئ لهاروكي موريكامي و روايته 1984 و زوربا البرازيلي  لجورج أمادو و زوربا العربي  عبد الله مكسور و عمل  عباس بيضون مرايا فرانكشتاين و غيرها من الأعمال و قد وضح الكاتب هذا الاقتباس بشكل جلي في أول صفحة باقتباسات تفسر المنظور الأساسي للرواية الاقتباس الأول  يرجع للرواية المقتبس منها الاسم لميري شيلي فرانكشتاين "أني أطلب منك ألا تصفح عني.أستمع إلي,قم إذا استطعت و إذا شئت دمر ما صنعت يداك" و اقتباس من روايته على لسان الشسمه ( النسخة العراقية لفرانكشتاين)" أنتم يا من تسمعون هذه التسجيلات الآن , إن لم تكن لديكم الشجاعة لمساعدتي في مهمتي الجليلة,فحاولوا على الأقل ,أن لا تقفوا في طريقي", من خلال الاقتباسيين يظهر لنا جليا التقارب بين شخصية فرانكشتاين الأصلية في رواية ميري شيلي التي تأخذ اسم مخترعها فيكتور و تذهب بعيدا في البحث عن إنسانيتها من خلال تعلم القراءة و الكتابة و البحث عن زوجة بل يتجاوز الحدود و يقتل ليحدث الصراع بين فيكتور و المخلوق المسخ الذي خلقه ليكون نفسه سبب مآسيه,الشسمه و هنا فضل أحمد السعداوي اعتباره بدون اسم ليتميز عن فرانكشتاين الذي عرف باسم خالقه ربما من باب اعتبار الشسمة لم يكن صنيعة هادي العتاك لوحده بل صنيعة أكثر من فاعل بالعراق نتيجة أسباب عدة ولم يكون هادي العتاك الا اليد التي جمعت نتائج الغير,هادي العتاك الرجل البسيط الذي يهتم بجمع الأشياء الأثرية و القديمة ليصلحها و يبيعها من جديد حرصه هذا على العودة للماضي يؤجج في نفسه الحنين إلى عراق الأمس فيهتم بلم شمل أجزاء الشسمة من أشلاء المواطنين  بمواقع التفجيرات و هو يقوم بهذا العمل بناءا على هاجس أو نداء خفي,و يروي قصة الخلق هذه كحكاية على المقاهي فيختلط الخيال بالحقيقة الفانتازيا بالواقع عالم غرائبي يقدمه للقارئ مجتمع مكون من شخصيات بسيطة تنتمي الى "قاع" المجتمع هكذا فضل الكاتب تقديم الحقيقة الغائبة في العراق فهذا المجتمع الذي يبدو هامشيا غير مؤثر في الأحداث الجارية بالعراق و عكس نظرتنا  يبدو مؤثرا بصمته و باعتياده على ما يحصل الحائط الذي يتلقى وجع الإرهاب و المآسي المترتبة عنه الحائط الذي يتسلقه المتسللون لهذا المجتمع للاغتناء و التهافت حول الكراسي ,هذا المجتمع المظلم المهمش سيكون البيئة الصالحة لينبت فيها الشسمة و يوجه منها عمله المنوط به وهو الانتقام ممن فعل بأطرافه ما فعل مهمته تبدو بداية سهلة لتزداد صعوبة مع تزايد الإنفجارات فتمتد مهمته زمنيا مما يجعله يواجه مشكلة تعفن أطرافه فيسعى الى اقتناء أطراف جديدة فيختلط البريء بالمذنب الجلاد بالضحية في جسده مما يتشتت فكره و رؤيته للأمور , يبدو الشسمة  مكلفا بإعادة لم شتات العراق بكل أطيافه ففي جسده المسلم و المسيحي , الباكي على اندثار نورها و ألقها و المنتقم و بقسوة ممن شوه جمالها,الشسمه في الأخير ليس سوى بغداد ذاتها الناقمة على ما آل اليه وضع ابنائها من مختلف الطوائف, الشسمة هو الصرخة التي ترعب العراقيين و تصفع صمتهم و خنوعهم و هو انتقاد صادم لمن يتولى السلطة و لعقولهم القاصرة على تصريف الأمور بما يلاءم مصلحة العراق و الابتعاد عن شهوة أنفسهم في الربح و استغلال السلطة, لم يستطع أحد أن يكتشف هويته لأنه ببساطة هوية كل عراقي ساكن في ذات كل عراقي هو ذلك المسخ الذي يجول بذواتهم يحاول أن يكنس الظلمة من أنفسهم و يرتقي بهم ليفهموا اللعبة القذرة للسياسة انه ببساطة إنسان مشوه يبحث فقط عن راحة البال التي لن تأتي إلا بالقضاء عن البذرة الشريرة التي نبتت في بغداد و سهل لها الأمريكان سمادا كفيلا بأن يجعلها تتسلق في جسد بغداد حتى تخنقها, رؤية ضبايبة للعراق قدمها لنا أحمد سعداوي  مغلفة برمزية تتطلب منا جهدا لفكها , و أخيرا أقول أنها تستحق الترشح  لجائزة البوكر في انتظار قراءتي لباقي الروايات المرشحة لنفس الجائزة, فهي في نظري تصنف ضمن ذلك النوع من الروايات التي تسمى "Page turner" اي تلك الروايات التي تشدك لدرجة تقرأها بشكل متواصل و تقلب صفحاتها بسرعة و رغم أن الكثير من القراء عاتبوا الكاتب عن الحشو و الاطناب أحيانا إلا أني أجده كان ضروريا لشرح مواقف الفاعلين الأساسين في الرواية الكاتب منحهم فرصة تبرير مواقفهم و لم يكن له سبيل غير الاطناب المبرر لتوضيح ذلك.

Commentaires