رواية دروز بلغراد حكايات حنا يعقوب

رواية دروز بلغراد حكايات حنا يعقوب



رواية "دروز بلغراد حكايات حنا يعقوب " الحائزة على جائزة البوكر لسنة 2012 , تراجيديا إنسانية تتقمص ألم التراجيديات الإغريقية و تغرقنا في حزن لا ينتهي من أول كلمة أدخلتنا في صلب القصة إلى آخر جملة أنهت معاناة البطل و معاناتنا معه باستنشاقنا جميعا للهواء,تحكي الرواية حقيقة تاريخية غير معروفة لدى أغلب العرب و المسلمين حين نفى الحكم العثماني ما يزيد عن 500 درزي متهمين بجرائم ارتكبوها ضد المسيحيين في جبل لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, رحلة استمرت 12 عاما قضاها حنا يعقوب سجينا بقرب مساجين اقترفوا جرائم ضد طائفته وجد نفسه سجين غربتين  مفارقة دفع ثمنها هو و عائلته الصغيرة المكونة من زوجته هيلينا و الطفلة بربارة متنقلا بين زنازين تغيرت جغرافيتها بين بلغراد و الهرسك و كوسوفو لكنها جميعا اتفقت في عذاباتها التي جعلت حنا دائم الذهول و التساؤل "لما أنا هنا و ما هي جريمتي؟".
هذه نبذة عن الرواية حتى لا نحرق القصة كلها و لنتناول بالتحليل المتواضع هذه الرواية من خلال هذه النقاط:
1.       الغلاف : نظرة خاطفة للغلاف توحي بأن الكتاب سيتناول درس تاريخي أو جغرافي و إذا أرفقنا الصورة مع عنوان الأول دروز بلغراد يتأكد الإيحاء فيعود ربيع جابر لينفي  هذا التصور المبدئي بعنوان ثاني و تأكيده على الصنف الأدبي "رواية"
2.       العنوان : العنوان جاء مخالفا للعادة في اختيار الكتاب لكلمة واحدة أو مقطع واحد و هو أمر مرتبط  بما ذكرناه سالفا عن الغلاف  فالمقطع الأول دروز بلغراد مقطع متناقض في حد ذاته  جغرافيا مما أثار فضول القارئ الذي يزداد مع المقطع الثاني حكايات حنا يعقوب فما علاقة مسيحي بالدروز و بلغراد  , عنوان  يحمل مفارقة جغرافية و مذهبية تشبه تلك المفارقات التي نجدها عموما في مانشيتات الصحف المثيرة للفضول و هذا أمر غير مستغرب من كاتب صحفي في الأساس.
3.       الحكاية : لن نجد في دروز بلغراد أحداث عدة بل هو حدث واحد فقط  بدأ عكس المتعارف عليه في النمط الروائي  المقدمة أو الاستهلال – عقدة- حل بل نجد الرواية و الحدث الرئيسي  يبدأ من الكلمة الأولى  رحلة واحدة متبعة نمط واحد سجن عذاب يتغير المكان و يبقى الحدث هو نفسه خرج حنا مسيحيا و تعذب درزيا ( الحدث الأساسي ) و ارتاح مسلما في قافلة حج و هي نهاية أحدثت ثورة في نمطية الحدث الذي بدا مع توالي الصفحات مملا  حيث أخرج حنا من العذابات المتتالية إلى البهجة و السرور و لا أعلم إن كان الكاتب قصد هذا الأمر أم جاء تلقائيا و استدعته ضرورة السرد.
إذا عدنا لطريقة للسرد اعتمد الكاتب على راو واحد ( مثال الوحدة : بيروت 1860) و أحيانا نجده يدخل الشخصيات بالسرد عن طريق استخدام ضمير المتكلم  ( مثال وحدة : الجبل الأسود 1872 ) قسم الكاتب الرواية الى وحدات أحيانا تأتي منفصلة و أحيانا متصلة  موضحا الأمر بالأرقام , المثير للانتباه أننا نجد الزمن متحركا في الوحدات التي تتحدث عن المنفى في حين نجده جامدا نوعا ما في حكاية هيلانة حتى حسبناها لم تشخ كما هو حال حنا  و هو أمر تفاجأ به هو أيضا لدى عودته , استعمل الكاتب أيضا  الأحلام كتقنية ذكية لتعويض غياب الشخصيات و الوطن فيأتي حنا لهيلانة في الحلم كما يأتي الوطن و الأسرة لحنا في الحلم , و حين نصل للنهاية نجدها مبتورة و كان الكاتب تعب كتعب حنا يعقوب و انهى مهمته بإيصال حنا لبيته فيمنحنا مطلق الحرية في تخيل الأحداث التي تلت اللقاء أما الكاتب و الشخصية المحورية فاستنشاقا الهواء و خلصت الرواية.
4-  الخلفية التاريخية و الجغرافية التوثيقية :
أسلوب الكاتب تأثر بشكل كبير بأسلوبه الصحفي فامتزج الأدب بالتاريخ و الجغرافية فجاء المزيج إشكالية بين ماهو تاريخي و ماهو روائي مزيج نحس فيه بالملل أحيانا و أحيانا أخرى بتنشيط للذاكرة لتذكر دروسنا في التاريخ  معلومات غزيرة تتطلب جهدا و تركيزا لاستيعابه و ربما هذا السبب في إدراجه لوحدة بدت نشازا في الرواية و هي حكاية  مراد مصطفى التي جاءت تقريبا متوسطة السرد و جعلتني أتساءل ما الهدف من إدراجها لأنها لا ترتبط بغيرها من الوحدات إلا فيما يتعلق بالتوثيق التاريخي لمآل الدولة العثمانية , ما يحسب للكاتب و هذه أول مرة أرصد هذا الأمر هو إدراجه للمراجع التي أعتمد عليها فهو يؤكد لنا أن عمله منهجي أكاديمي و ليس مجرد كلام و رؤية شخصية فقط و لكي يؤكد لنا في النهاية أن ثنائية التاريخي و الروائي ممكنة و تنتهيان في هدف واحد هو توثيق الحياة.



Commentaires