أن تقرأ لوليتا في طهران
تخيل أيها القارئ ( عبارة ستصطدم بها كثيرا في هذا الكتاب تأتيك كصفعة أحيانا خصوصا حين تكون معارضا للنفيسي) تخيل أنك تجلس على مكتبك و أمامك كتب أدبية منتقاة بعناية فائقة و كتاب واحد سياسي يتحدث عن الثورة الاسلامية الايرانية و شذرات من أوراق حياة أستاذة جامعية ..تخيل نفسك تقرأ من هذا و ذاك مستمتعا بهذا و رافضا ذاك..فتتداخل الأفكار في عقلك ووجدانك مسببة فوضى و صداع و أحيانا صراعات قد تنتهي بقرارات قد ترضيك و قد لا ترضيك ..تخيل اذن لو جمعت كل تلك الفوضى أمامك في كتاب واحد هو أن تقرأ لوليتا في طهران..
تخيل أن تحمل هذا الكتاب و تعبر به نفق مظلم و في يدك شمعة تنطفئ أحيانا تحت سطوة نسمة عابرة مجبرة اياك أن تحيا في ظلمة قصيرة تفكر في بعض ما جاء في الكتاب و باحثا في ذات الوقت عن عود ثقاب لتشعل تلك الشمعة مجددا و تكمل المسير ..هذا ما قد يحصل لك كما حصل معي أثناء قرائتي لهذا الكتب.
فلنتوقف قليلا عند العنوان" أن تقرأ لوليتا في طهران' لما أختارت النفيسي هذا الكتاب دون غيره عنوانا رغم انها ذكرت كتبا أخرى كغاتسبي العظيم و اعمال جين اوستن..وجدت أن اختيارها قد يكون نابع من سببين أولها ربط الثورة الايرانية بالثورة الروسية و ثانيهما و هو الأقرب في نظري الصدمة التي قد يحدثها العنوان كنوع من الدعاية للكتاب لهذا أنصح الراغبين في قراءة هذا الكتاب ان يعرجوا قليلا على أعمال نابكوف خاصة لوليتا لتتضح له الرؤية فالنفيسي أرادت ان تضع نفسها بجانب ناباكوف و هي المغرمة بهذا الكاتب لحد الجنون أرادت أن تربط بين غضبها و رفضها للثورة الاسلامية و رفض ناباكوف للثورة الروسية ...
فلنعد الآن للمضمون..سيرة النفيسي تعالج فترة جد مهمة من تاريخ ايران قد ابالغ ان قلت تعالج فالمعالجة السياسية بالتأكيد تحتاج الى خبرة أكثر و حيادية أعم لم نجدهما في هذا الكتاب لأنها تحكي وجهة نظر شخصية حتى لو استغلت حكايا تلميذاتها أو بناتها كما تناديهن..فلنستبدل كلمة معالجة و نقول الكتاب يشير الى فترة ما بين 1979-1997
بين اندلاع الثورة الايرانية و خروجها من ايران متجهة نحو امريكا الهروب من الضد نحو الضد ..يا للمصادفة
أعترف أني لم أكن حياديا أحيانا في القراءة و وجدت نفسي مضطرة أن اهمس للنفيسي متفقة معك تماما .. فالثورة الاسلامية الايرانية لها من الأخطاء ما يكون عادة لكل الثورات فليست الثورة منزهة و تكفي نظرة واحدة لواقعنا المعاصر لنتأكد من الأمر..و لم أمنع نفسي من الضحك الأسود الغاضب و النفيسي تقتبس عن كتاب الخميني" المباديء السياسية والفلسفية والاجتماعية والدينية" يقول : إذا مارس رجل الجنس مع دجاجة فهل يجوز له أكلها بعد ذلك؟ الإجابة : كلا لا هو ولا أي أحد من أفراد أسرته الأقربين ولا الجار القريب يجوز له أن يأكل من لحم تلك الدجاجة، ولكن لا بأس مع الجار الذي يسكن على بعد بابين ..
بالله عليكم ...فلنصمت و نعود للكتاب قلت ساندتها أحيانا..لكني رفضت نظرتها الشخصية- و يجب التأكيد على هذا الأمر الشخصية- لمسألة الحجاب كما استهجنت أيضا أريحيتها في الـتأكيد على حبها للحم الهام "لحم الخنزير " و كأن ايران تخلو من لحم غيره و أضف لهذا الخمر بكل انواعها هذا كله كان موجودا في ايران تحت حكم الخميني ...غريب هذا الربط الحتمي بين المثقف و المفكر و بين كل ما يحرمه الدين فهل الخمر و التدخين و لحم الخنزير و أن اعري كتفي و صدري يجعل مني مثقفة و مفكرة منطق غريب على العموم النقاش حول مسالة الحجاب هل هو مفروض أم غير مفروض يبقى جدل بيزنطي لن يخرج بنتيجة فالأمور واضحة و المرأة المسلمة لا تحتاج لمن يدافع عنها و عن اختياراتها خصوصا من كتب تنشر من خارج الدول الاسلامية من بلاد تنتظرأية فرصة لضرب الاسلام فهذا شيء غير مقبول بتاتا...
على العموم فقراءة النفيسي لايران تحت الحكم الثيوقراطي لم يستهويني جدا بل ما دفعني لأتمم هذا الكتاب هو قراءتها لعدة كتب أدبية و هي قراءة بالتأكيد على درجة كبيرة من الخبرة الاكاديمية تحسب للنفيسي..قراءة جعلتني أغير بعض من أحكامي السابقة على كتب قرأتها أو أهملتها لكني الآن بالتأكيد سأعود اليها بحماس أكثر و رؤية جديدة لا يسعني الا أن أشكر النفيسي على هذا الأمر..الحديث عن الروايات و النقاشات التي تمت في الحرم الجامعي بين النفيسي و الطلبة و بينها و بين طالباتها في الصف الخاص شيء مثير ذكرني بنا نحن رواد هذا الموقع فالنقاش بالتأكيد يثري جدا فلكل منا أسلوبه الخاص في القراءة و مبادئه التي تعكسها ملاحظاته و تعليقاته و نظرته للحياة عموما و هو شيء أجده حيوي و مشجع فكم من كتاب لم أكن لأقرأه لولا تشجيع البعض و كم من فكرة خاطئة أعتبرتها من المسلمات فأجد من يعارضني فيها و يأتي بضدها فاعيد التفكير من جديد ..النفيسي في كتابها هذا بغض النظر عن المسألة الايرانية تدعونا الى اعمال الفكر حين نقرأ و أن لا نكون مجرد عبيد للكلمة نبكي حين تفرح البطلة بل أن نسأل ما سبب الفرح و ما الغاية منه ...لهذا السبب أشكر النفيسي على هذا الكتاب...و أدعوها الى قراءة الاسلام بين الغرب و الشرق لعزت بيغوفيتش ( فهو الكتاب الوحيد الذي يخطر ببالي الآن ومن يجد غيره فليخبرنا به لتعم الفائدة) ادعوها أن تقرأه لتفهم الفرق بين الثقافة و الحضارة فالاسلام ابدا لم يكن دين يجمد الفكر بل على العكس تماما ..و لنا عودة في الموضوع
قراءة ممتعة
Commentaires
Enregistrer un commentaire