بهذه العبارة المقتبسة من الرواية ذاتها
افتتح مراجعتي,فهي تجسد بشكل كبير إحساسي
بعد إتمام قراءتها بجهد لا يضاهيه الا جهد غواص يحاول تحطيم رقم قياسي للغوص,عاموس
عوز قدم لنا في روايته هذه تفاحة تقطر سما زعافا قد ينسف كل معتقداتنا و ثقافة نفي لكل ما يأتي من هذا
الطحلب العالق بمؤخراتنا ويكبر يوما بعد يوم و إن لم نلفظ هذه التفاحة الملعونة
فورا و بمجرد الانتهاء من الرواية يبقى هناك خطر زرع نبتة قد تكون ثمارها سرطانا
يأكلنا ببطء.
أول شيء لفت انتباهي في هذه الرواية عنوانها ,
فالعنوان عادة يترجم من خلال الأحداث و كنت أعتقد أنني سأجد قصة حب عنيفة لا تذر نيرانها
أخضرا أو يابسا لكني وجدت قصة حب مغايرة فسًرَت لي العنوان بشكل مغاير فعاموس تحدث
في كتابه عن حب شاذ متطرف شيطان لا ينبت إلا في الظلام ..العنوان إذن منطقي لغاية التفاهة.
من الأشياء أيضا التي لفتت انتباهي إهداء المترجم جورج خوري هذه الرواية لروح ابنه
الذي مات خطأ على يد مقاومين فلسطينيين في الحي اليهودي و المترجم بهذا الإهداء
يحاول ان يرسي أسس قيم التسامح مع العدو مقدما دم ابنه قربانا لهذه المحاولة..وعجبي..مع
ذلك أرفع قبعتي لهذا المترجم الذي نقل بصدق كبير رواية عبرية إلى اللغة العربية و
لم ينتقص منها شيئا يمس بقيمتها الأدبية,نعم رواية عاموس تمتلك من المكونات
الأدبية ما يؤهلها لتأخذ أفضل التقييمات و يحسب لعاموس ذكاؤه في تحذيرنا من تصنيف
كتابه في خانة معينة حتى لا نحتجزه في زاوية معينة في النقد فكتابه هذا مفتوح الهوية نجح فيه أن يكتب رواية في إطار أوتوبيوغرافي
مثير أدخلنا في متاهة زمنية يجاذبنا فيها الحاضر و الماضي ويحاول من خلالها عاموس
أن يقرب القارئ من النتائج ثم يعود للأسباب و العكس صحيح في سرد مطرد بين مد و جزر
لدرجة وقع فيها مرارا في التكرار و الإطناب وجدته عديم الجدوى كاد أن يفقد تقييمي
نجمتين من خمسة,تعتبر رواية عوز هذه أرشيفا متكاملا للأدب العبري فهو الشاهد المعاصر لأدباء شكلوا اللبنة الأولى
للأدب الاسرائيلي على أرض فلسطين و ذكر الجنسية هنا من باب التفريق بين الأدب
العبري في دياسبورا
اليهودية و الأدب العبري في الكيان الصهيوني و نستطيع أن نقول أن عاموس استطاع بفعل المناخ الأدبي و الفكري الذي تربي فيه أن يكون
مجدد الأدب العبري و أفضل ممثل له عالميا باعتباره أكثر الكتاب اليهود ترجمة في
العالم.
قبل أن
أتجرد كليا من حيادي تجاه عاموس لا بأس أن أذكر باختصار حكاية هذا الصهيوني و هو
لقب يحبه عاموس و غلب على روايته و لن أمنعه من هذه المتعة,ولد عاموس عوز في القدس
تحت اسم عاموس كلاوزنر من جدين لأم هاجروا من روفينو بأوكرانيا و من جدين للأب
قادمين من روسيا من خلال الرواية يتضح لنا أن الجدود هاجروا لفلسطين أو الدولة
العثمانية أنذاك فيما يعرف بعليا الثانية ( من روسيا بسبب الاضطهاد الروسي لليهود)
و عليا الثالثة (من دول اوروبا الشرقية)’أبواه كانا من أشد الصهاينة عنصرية و ذلك
لانضمامهما لتيار جابوتينسكي, يمتلك والده و عمه رصيدا معرفيا مهما أثر في حياة
الكاتب في حين لم تكن أمه الا شبحا ضائعا
سرعان ما التحق بمكانه و هو في سن الثانية عشر, انتحار والدته رغم مكابرته شرخ
وجدانه و ظل الشبح مرافقا بشكل أو بآخر معظم كتاباته, و الغريب أن عاموس بدا مترددا
في الحديث عن أمه و أسباب انتحارها فجاءت قصة الأم كقطًارة أذن تزيد الوجع أكثر
مما تزيل ضجيج تساؤل القارئ مما جعلنا نتساءل
لماذا اعتمد هذه الطريقة في الحكي و هل لخلطه بين العام و الخاص هدف أراد أن نصل اليه أم هو فقط يرمي الأسباب
على الظروف العامة التي رافقت تأسيس دولته ,في حين فشل عاموس في سبر أغوار نفسية
أمه أجاد في تفصيل نفسيات شخصيات عايشت أسرته أو عاصرها هو و اختياره للشخصيات لم
يكن اعتباطيا بل مرتبا بشكل يتماشى مع أحداث تأسيس الكيان كمحاولة لتجريد القارئ
من اي عتب قد يرافق اليهود و يحمله ذنب الاحتلال
هنا يجب أن أؤكد على أمر مهم جدا فرواية قصة عن الحب و الظلام لم تكتب
للعرب و المسلمين رغم فرحة عاموس بترجمتها فهي نفسها فرحة الاسد بحصوله على فريسته
دون عناء بل كتبت للغرب العدو القديم هي ابتزاز عاطفي رخيص و استجداء عطف العالم
لهذا "الشعب الضعيف "الذي عانى الويلات من أوروبا و ليس العرب و هي
محاولة تفسير و تبرير الوجود اليهودي في فلسطين من باب المساعدة الثقافة و
التنويرية لشعب متخلف و محاولة العيش بسلام جنبا لجنب هذه الصورة العبثية التي أراد عاموس توصيلها للعالم مليئة بالمغالطات و الكذبات التاريخية بدءا بسخافة الاحتلال البريطاني للأراضي اليهودية متجاهلا وعد بلفور و مساعدة بريطانيا للكيان بالنهوض قبل أن يرحل و إغفاله أيضا للمجازر الإسرائيلية و في هذا كان عاموس ذكيا جدا في انهاء روايته في مرحلة تاريخية معينة تجنبا للمجازر التي حدثت بعد ذلك خصوصا لو عرفنا ان الرواية كتبت من بداية 2000 ,عبث عاموس هذا بدا أكثر عبثا في طريقة تدرجه في الحديث عن العربي فهو بداية تجنب الخوض فيه و مع توالي الأحداث بدأ هذا العربي يظهر كموج مدجج بالسيوف لا هدف له الا ذبح اليهود و لم يسلم من هذه الصورة الكاريكتورية الرجل الذي ساعده يوما و أخرجه سالما في حادثة متجر النساء هنا يجب ايضا أن أذكر ملاحظتين على درجة كبيرة من الأهمية أولها تجنب عاموس ذكر لفظ "فلسطيني" و استبداله بلفظ "عربي" و هذا نجد هدفه في الملاحظة الثانية و هي محاولته تبرير فكرة الأرض الموعودة لليهود في القدس بأرض موعودة للعرب و هي مكة أو السعودية و فات هذا المثقف أن العرب ليسوا جميعا مسلمين فيهم مسيحيون يعتبرون فلسطين أيضا أرضا مقدسا غباء كاد أن يعصف بكل نجمات تقييمي لهذه الرواية
في النهاية لا يسعني إلا أن أقول أن الضجة
التي رافقت شخصية عاموس عوز بكونه داعية سلام ليست سوى بروباغندا اسرائيلية
اعتادها العرب ككذبة و اعتادها الغرب كمسلمات, و رغم تشدق عاموس بالسلام كحل فهذا
الأمر في نظري يشبه لحد كبير صورة الغراب الذي ينعق بجنب أخيه و يقوم بدفنه بعد أن
قتله كمحاولة منه تضميد جراح الضمير,عاموس الذي قرأ لبرنارد لويس و معلوم عندنا ما
يكنه هذا الأخير من كره للعالم الأسلامي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون داعية
سلام و روايته هذه أكبر دليل على الشيزوفرينيا الاسرائيلية, ففي الرواية عاموس كان
يساريا من الدرجة الأولى رافضا حتى اليمين الإسرائيلي بالتالي فمن المؤكد أن
الصورة التي يريدها عاموس أن تصل للغرب هي نفسها الصورة التي تريدها إسرائيل فهو
بوق إعلامي جديد محبب لجيل الشباب و يستطيع بسهولة قتل الذاكرة لو كانت تحمل ما قد
يعيق الحصول على المراد..و في الأخير من يستطيع أن يرفض أو يتساءل عن أحداث تروى
من فم طفل صغير يتيم الأم.......؟
Commentaires
Enregistrer un commentaire