توفي ايفان إيليتش, ويستمر الخبر معلنا نعي رجل ما قد تمثل حكايته حكاية أي رجل آخر و سينشغل الأصدقاء بخبر النعي قليلا مبدين صدمة حقيقية تستدعيها
عواطفهم المتقنة للتعبير عن زمالة أو صداقة أعلن النعي للتو نهايتها فالموت قد
يكون أنعم طريق لوضع النهايات,و يبقى فقط أن نضع لها شاهدا يليق بها ولن يكون
الشاهد سوى أقنعة توضع بارتباك على الأوجه تؤدي واجبها الأمثل تعزية الأرملة وأولادها وحضور جنازة باردة,كل شيء يبدو متماسكا والصورة تبدو متألقة والموت سيبقى خبرا معتادا
في جريدة وهو بالتأكيد لا يمسنا نحن كقراء (هذا ما نعتقده) فإيفان من مات و لسنا نحن وليسوا أصدقاءه وليست أرملته التي تنشغل بدورها بإتمام ترتيبات جنازة زوجها
بما يليق بها كزوجة قبل أن تفكر بما يليق بزوجها,تعود دائما تلك الصورة المتألقة
لتستحوذ على المشهد تماما ,ترتيب الكلمات التي يجب أن تقال وترتيب تعبيرات
الملامح لا يجب أن تكون ضغطة اليد أكثر أو أقل مما يجب حتى تؤدي غرضها المطلوب
تماما و علينا أن ننهي هذه المأساة لنمضي في حيواتنا.
الملفت في هذه الرواية القصيرة لأني لا أحب ان تكنى بقصة
فهي أعظم من أن تختزل في قصة و أعمق من أن تحملها أجزاء رواية أنها بدأت من
النهاية كان لتولستوي الجرأة أن يصدم القارئ من بداية نصه حسنا أيها القارئ فبطلي
قد مات ولست مجبرا أن تتم القراءة إن كنت ممن تبحث عن بطل يسعد حياتك البائسة ويزيفها للحظات,نعم تولستوي كان أدرى بالقارئ الكوني ذلك القارئ الذي لا يتغير رغم
تغير العصور والتاريخ والأدب ذاته,تولستوي و مع البداية بحث عن قارئ مختلف قارئ لا
يهمه البطل بقدر ما يهمه ماالذي عاناه البطل و أراده البطل والثقل الذي حمله البطل
على أكتافه طيلة إعماره أو احتلاله لهذه الأرض لكن هذا الكلام كله قد يكون كلاما
يحتمل أكثر مما هو مطلوب حقيقة فحياة إيفان كانت عادية جدا بسيطة جدا وهذا ما
يؤهلها أن تكون فظيعة بإمتياز, لماذا؟هذا ما يتحدث عنه تولستوي ببساطة متناهة من خلال صفحات لم تتجاوز
التسعين صفحة في نسختي الفرنسية و سأعود حتما للترجمة العربية لكن لمعضلة الترجمة
من الروسية فضلت قراءتها بترجمة مختلفة و هذا موضوع شائك لا ضرورة للخوض فيه مجددا ,فالقصد أن أؤكد عظمة هذا الرجل الذي يستطيع أو بالأحرى يفهم متى يحتمل العمل
أجزاءا متعددةومتى يستطيع أن يحدثنا أو يحادثنا من خلال صفحات قليلة و يكون
الموضوع في إيجازه أعمق, ماهو الموضوع إذن إن كانت حياة إيفان هذا عادية جدا أين
المشكلة في موته مئات الأفراد يموتون يوميا وهناك الآلاف يقتلون في الحروب وبحوادث سير وأخرى تافهة,هو ذاته الموت الذي سنجده هنا
المسألة ليست مرتبطة بالموت لن نخشى الموت بعد ان نقرأ عن إيفان بالعكس قد نحبه و
هنا المأساة أن نحب الموت أن نجده محاورا جيدا بل محاورا صادقا محاورا لن يلجأ
للمغالطات لإثبات وجهة نظر و لن يلجأ لأقنعة ليثبت شعورا مختلفا عما يشعر به فعلا
,الموت كان شخصية محترمة في هذا العمل قرأت بمكان ما عن علاقة الموت بتولستوي
جميعنا قد تكون لنا قصصا مع الموت فقدت الكثير من أحبتي و تجاهلت وفاتهم بنفس
الطريقة تماما التي فعلها أصدقاء إيفان ربما تختلف نياتنا فتجاهل الموت بالنسبة لي
كان محاولة لإثبات أنهم مازالوا على قيد الحياة و ربما أكون أكبر كاذبة بل هي
محاولة للعيش أن أكون مثل شوارز تماما و أستمر متصنعة الحسرة ولسان حالي يقول حسنا
من التالي؟ ليست مشكلة ما دمت لن أكون أنا التالية أو أحد أحبتي المقربين نعم نحن
أنانيون جدا في علاقتنا بالموت لكنه هو بالذات يبتعد و يقترب دون إكتراث بكل ما
نفهمه أو نجهله عنه لأنه في النهاية في تلك النقطة تحديدا بين العالمين لن يسألنا
رأيننا لكنه بالتأكيد سيقوم بما هو أبشع سيحررنا من ذواتنا سنتعرى سنرى ماضينا و
حاضرنا سنتعرف بالتحديد على كل ما قمنا به وما لم نقم بهو سنعرف كيف كنا نقوم
يوميا و نتجمل و نقرأ ما يريده المجتمع أن نقرأه فنحفظ الدرس و نقوم تماما
بواجباتنا و تبدو لنا حياتنا هانئة هادئة و زائفة كلية قرأت مؤخرا مسرحية لنيكوس
كزانتاكيس تناولت هذا الموضوع من جانب آخر ماذا لو عدنا من الضفة الأخرى هل سنقوم
بكل ما فعلناه بنفس الصيغة أم سوف نتغير هل لو عاد عطيل سيقتل ديدمونة حتى لو تأكد
تماما من براءتها هل سيفعل ذلك ؟ بعد قراءتي للمسرحية شاهدت مباشرة فيلما عن نفس
الموضوع تقريبا اسمه لو جازت لي الترجمة
أفضل من الخيال البطل هنا يعيش حياة رائعة مرتبة جدا ودقيقة جدا لدرجة يفرش
أسنانه بمرات محسوبة وهذه الرتابة تسري على أحواله كلها و ستتغير حاله متى سمع صوت
الروائية ليكتشف أنه مجرد شخصية في عمل روائي حسنا الفيلم ليس بعمق عمل تولستوي
لكن أن أصادف ذات الموضوع في مسرحية و فيلم و رواية فهي مصادفات لا تبشر بخير,عموما
قبل أن نصل لهذه النقطة أن نكتشف من الراوي أو نُبعث أحياء لإستحالتها ,نلتقي
بإيفان هنا في فلاش بلاك مختصر لحياته من طفولته لشبابه سنتعرف كيف ولماذا صنعت
ورتبت إختياراته قدكان مكشوفا تماما لنا
كقراء لكن للأسف لم يكن كذلك في مواجهة نفسه فإختياراته كانت ضرورة و مطلوبة
لحظتها و تفكيره فيها كان مبنيا على رغبته فيها و تبدو منطقية تماما و ضرورية ولن
ستطيع أحد أن يخبره بالعكس لأنه لا أحد يعرف ذاك العكس ,بشكل عبثي جدا لا تضاهيه
حتى وفاة ألبير كامو عاشق دستويفسكي ( كتبت اسمه فقط لأغيظ أحدهم)بحادثة يصاب إيفان بعد سقطة عادية قد نسقطها ألف مرة
دون أن يحدث ما حدث له لكنه هو تحديدا كانت السقطة من السلم و قد يكون تولستوي
قاصدا السلم و السقوط فهذا يتماشى مع شخصية إيفان التواقة للتدرج في السلم الوظيفي
مفارقة ساخرة حتما لكنها غير مضحكة لإيفان فالسقطة تبعاتها أدخلته في تسلسل أفضى
به الى السرير و هنا في تلك العزلة الخلاقة سنتعرف على إيفان و سنتعرف على محيطه
المخادع و سنتعرف على تساؤلاته الكثيرة و حواراته المونولوجية وسنفهم سنفهم بشكل
أعمق أمورا كثيرا نسقطها على حيواتنا من
تلك الأسئلة
يطرح إيفان سؤالين مرعبين حقيقة, الأول هل حياتي كانت صائبة؟ و إن لم تكن كذلك اين الصواب إذن؟ من السؤالين قد نفاوض الموت قليلا سنحاول أن نتحايل أن نبعده أن
نستعطفه أن نترجاه أن يترك لنا فرصة أخيرة نعيد ترميم حياتنا الخاطئة تماما حياتنا
التي ليست سوى تراكمات لإختيارات تكيفنا معها إجبارا و قمعا فمن هذا الذي يتجرأ أن
يعري نفسه حيا, لكن الموت الحكيم الحكيم جدا لا يشفق لا يمد يده لك لينقذ حياتك من
عشوائيتها بل هو يمنحك الحقيقة التامة ثم يظهر لك نورا يسمعه الآخرون حشرجة وفاة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire