مقبرة براغ أمبيرتو إيكو



حين نقرأ لأمبرتكو إيكو فنحن على موعد مع الدهشة,الأمر غير مرتبط فقط  بالموضوع بل باسلوب السرد  وكيفية السرد إختيار الشكل المناسب للرواة و تكثيف العلاقة بينهم إيكو جدد بشكل لافت طريقتههذه في إسم الوردة و جددها أيضا في مقبرة براغ و لا استبعد أن هذا التجديد سنجده مع باقي رواياته التيتنتظرني على الرف,في مقبرة براغ هناك لعبة ثلاثية أن لم أقل رباعية لو أشركنا الكاتب كفاعل في السرد فأول صفحة يظهر الفاعل الأول في السرد يلتقي بعدها بالفاعل الثاني و بعدها بالفاعل الثالث و  كأن الأمر اشبه برباعية الجري في الأولمبياد كل راو يمنح الآخر الفرصة لاظهار موهبته فيتفاعل السرد بتفاعل الرواة و أختار إيكو جسد اليوميات كمحتوى أساسي لهذه الطريقة فيكون السرد بطل و شخصية أيضا لها نفس مكانة الأحداث و اليوميات يتصاعد و ينخفض ضمن سياق الحكاية كما تتصاعد الحكاية ذاتها , أجاد ايكو إذن أن يجعل من السرد لعبة بوليسية تتماهى مع الموضوع ذاته معتمدا بشكل كبير على ذكاء القارئ في لم الخيوط التي يلهو بها إيكو لنفهم في الأخير من كان يتحدث فعلا و هل هناك فعلا راو واحد أم تعدد الرواة والمثير في الموضوع أن هذه الاسئلة ترتبط بشدة بموضوع الرواية و طبيعة البطل الأساسي لأننا سنتسائل في الأخير هل كل ما ذكر حدث فعلا أم أن الأمر لا يعدو أن يكون وثيقة مزوة أخرى. 
بالعودة للموضوع تزداد حيرتنا أكثر لدرجة أعجز معها على تحديد أفكاري أو صياغتها بشكل منظم كتابة,فالموضوع ليس جديدا و تم تناوله كتابة من طرف العديد من الكتاب أدبا و مقالة و إيكو هنا وضع فقط وجهة نظره حول الموضوع مما يجعل عمله هذا أقرب لفن المقالة التاريخية منه الى الرواية يتعلق الأمر ببروتوكولات حكماء صهيون , عمد الغرب الى انكارها جملة و تفصيلا منذ ظهورها كما لجا آخرون الى تأكيدها ووضع افتراضات مؤكدة لكيفية صياغتها و ترجمتها في حين يبدو العرب وحدهم موقنون انها صحيحة,يؤكد إيكو في نهاية الرواية أن كل شخصيات روايته حقيقية و أن ما قامت به من أفعال فهي حقيقية في حين يؤكد أن شخصية سيمونيني شخصية متخيلة لكن مثلها وجد و ما زال حيا بيننا اليوم يتركنا إيكو في حيرة من أمرنا على حافة التصديق المشوب بالشك فكيف نصدق البطل و هو شخص متخيل بمعنى آخر كيف يقوم تاريخ فعلي على تاريخ متخيل و ما هو الحد الفاصل بين العالمين و تزداد حيرتنا حين نعلم أن الشخصية المحورية الحكائية محترفة تزوير و تحريف فما الذي يهدف إليه إيكو في النهاية أن نصدق أو أن ننفي ما حدث عبر لعبة تدوير الحقائق التي لا تتوقف.. 
تتحدث الرواية عن رجل يبدو فاقدا لنصف ذاكرته فيقرر كتابة مذكراته عله يفهم بعض الأحداث الغريبة التي يمر بها نتعرف على الكابيتان سيمونيني ذو الأصول الإيطالية ونكتشف بعد ذلك أن هناك شخص ثان يتطفل على كتابة اليوميات و هو القس دالا بيكولا فتغدو الكتابة محاولة للتذكر و الاكتشاف , من ايطاليا الغاريبالدية الى روسيا القيصرية مرورا بفرنسا النابلونية و الجمهورية و فرنسا الماسونية يحكي سيمونيني مسار حياته الخصب بالأحداث و الشخصيات السياسية و الكهنوتية و الطبية و الموسيقية و الأدبية مسار مليء بالكره تجاه اليهود و تجاه النساء و تجاه كل الجنسيات تجاه الآخر بشكل عام باستثناء الأكل الذي يمثل للشخصية المتعة البشرية الوحيدة الممكنة,تبدو الشخصية في هذا الكتاب خلاف المتعارف عليه شخصية سلبية جدا منعدمة الأخلاق و الضمير و لا يقف في وجهها شيء سوى المصلحة الذاتية و لا تبدو منتمية لشيء سوى لرسالة تركها له الجد . 
لا نستطيع أن نصف إيكو بمعاداة السامية و لا نستطيع في ذات الوقت أن نؤكد هذه المعاداة فالطريقة التي كتب بها العمل توحي بالأمرين معا 
,كره سيمونيني اليهود كرها بالغا و تعجب من عدم قدرة الناس على فهم هذا الجنس المتكيف مع كل الكوارث البشرية و التاريخية و كيف يعقل أنهم لم يدركوا  بعد أن الأمر يتعلق بمؤامرة كونية تاريخية ضد كل البشر باستثناء اليهود سيمونيني يعتبر نفسه بطلا كونيا على اعتبار أنه سيحرر العالم من الغموض الذي يكتنف هذه المؤامرة التي يكفيه فقط أن يختلقها ليشعل فتيل الفضول و التقصي آملا أن يقضي بعدها على هذا الجنس المكروه و الصامد رغم هذا الكره الفطري نحوهم. 
يبقى المرتكز الاساسي للرواية هو النتيجة الختامية العمل المكلل لمسار سيمونيني تنفيذ وصية جده بالشكل الأسمى و نشر بروتوكولات حكماء صهيون,مع ترتيب للأحداث لا يختلف عما هو متعارف عنه تاريخيا حول البروتوكولات فعلاقة هذا الأخيرة بروسيا ثابتة اكتفى إيكو بأعادة صياغة الأحداث بشكل أدق مع تضمينه لبعض الخيال المكمل للصياغة الأدبية , فحسب ايكو فالفكرة بدأت مع رسالة جد سيمونيني و الذي يؤكد الكاتب أنه شخصية حقيقية و يربطها أيضا برواية اليهودي المتنقل لأوجين سو التي نشرت على حلقات بين 1844و 1845 و وبالتعاون مع عمل موريس جولي الحوار المتخيل الجحيم بين ميكافيللي و مونتسكيو و بعدها كتاب البروسي غودش و هي الرواية التي حسب إيكو مبنية على تخيلات سيمونيني ذاته و تلك التخيلات المرتبطة بمقبرة براغ و الأجتماع السري لإثنيعشر حاخام يهودي,مقبرة براغ إذن تحكي بالتفصيل و بشكل بوليسي لا يخلو من دراما جيمس بوند و أوجين سو و بعض تأثير دان براون كيف خلقت "الكذبة" من انخراط سيمونيني بثورة غاربالدي الى قضية درايفوس,إيكو كان متحكما بشكل جيد بالمادة التاريخية التي يظهر من خلال التدقيق أنه تعب في الحصول عليها و منحها لنا بشكل متسلسل جيد لكن الأمر يدفعنا للتساؤل ما المجدي في إعادة خلق كذبة على اعتبار سمونيني مزور ما المجدي من تكرار نفي هذه البروتوكولات بهذه الطريقة و قد سبق للعديد من الكتابات ان فعلت تفس الشيء؟هل كان إيكو فعلا قاصدا أن ينفيها أم قاصدا أن يجعلنا نفكر أن نفي البروتوكولات هو من ناحية أخرى نفي أيضا للاعمال التي نفتها بمعنى أن التاريخ يمكن أن يكون كذبة فكل الأعمال التي تحققه هي بدورها من الممكن أن تكون كذبات متقنة فلاشيء في النهاية ثابت مع صيرورة زمنية تجبرنا أن نتغيب عنها قصرا أو اختيارا. 

إضافات :
 مقبرة براغ :


توجد المقبرة بالحي اليهودي الجيتو جوزيفوف ببراغ بالتشيك كانت بالخدمة ما بين ١٤٧٨ و و يق١٧٨٦ يقدر عدد القبور المتواجد بها حوالي ١٢ ألف قبر.
أوجين سو :


ولد سنة 1804  و توفي سنة 1857 كاتب فرنسي اشتهر بروايتين نشرهما على شكل مسلسل اسرار باريس و اليهودي المتنقل كان جمهوريا و فضل المنفى حين انقلب لويس نابليون بونبارت سنة 1851 .

موريس جولي:
محام و كاتب فرنسي ولد سنة 1829 و توفي يقال منتحرا سنة 1878  سجن بعد نشره لحوار الجحيم بين ميكيافيللي و مونتيسكو و يعتقد أن بروتوكولات حكماء صهيون مقتبسة من هذا الحوار مع أنه لا ذكر فيه لليهود.

هرمان غودش :

كاتب بروسي ولد سنة 1815 وتوفي سنة 1878  ألف رواية بياتريس و خص إحدى فصولها للمؤامرة اليهودية التي تمت بمقبرة براغ نشر هذا الفصل مستقلا بروسيا سنة 1872 .

بيتور رشوفسكي:


 ولد سنة 1853 و توفي 1910 رئيس أوكرانا أي الشرطة السياسية للإمبراطورية الروسية التي نشطت أواخر القرن ١٩ و بداية القرن ٢٠ بباريس.

Commentaires