في بلاد الأشياء الأخيرة بول أوستر





الرواية الجيدة في نظري هي تلك الرواية التي تستطيع سحبي من الواقع لأندمج مع شخصياتها ,ألتصق بها واقتفي ظلها في كل زاوية من زوايا الأحداث,هذا ما حصل مع شخصية آنا بلوم في بلاد الأشياء الأخيرة,رسالة طويلة تكتبها البطلة لصديق طفولتها  بعد سنوات من دخولها لبلاد غريبة مرغمة بعد اختفاء أخيها وليام لتجد نفسها سجينة نظام لم نفهم ماهيته نظام يفرض حدودا لكل شيء من شأنه أن يزعزع "فوضاه" التي ارتضاها لنفسه و لشعبه,
 وجدت شبها كبيرا بين هذه البلاد و البلاد التي وصفها جورج أرويل في 1984 ديستوبيا  تعاليمها الأساسية العزلة ,الاستبداد, و الظلمة عالم يشبه تلك الصورة التي حملتها لسنوات آنا بلوم في شحوبها و ضياع ملامح شخصياتها, عالم يمنحك الحق في اختيار طريقة موتك الارادية فنجد العداؤون و الواثبون و من يختار عيادات القتل الرحيم أو نوادي الاغتيال الموت مشروع بل مطلوب في بلاد تعتمد على الجثث لتحصل على طاقة للاستمرار و في الحالة الأكثر طوباوية تعتمد على فضلاتهم فقط في انتظار موتهم الاختياري بلاد يُجبر فيها الانسان على الخيال كلعبة مقدسة للفرار , عالم يستطيع أن يتجاوز فيه الانسان العتبات الاخلاقية الداخلية كلها في لحظة من أجل الحصول على متعة عابرة كالقتل في بلاد انتهت فيها كل المتع الأخرى..
هذه الرواية ستجعلك ترى وجهك في المرآة بشكل مختلف,أن تقلب دولاب ملابسك و أحذيتك رأسا على عقب,أن تبتسم في وجه الكناسين,أن تتأنى في رمي فضلاتك,هذه الرواية ستصفعك و تلصق ظهرك العاري بجدار إسمنتي بارد..هذه الرواية ستجعلك تخشى أن تفقد ما لديك, تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعل منك إنسانا..هي رواية تفوح منها رائحة مقرفة قد تجعلك تغلقها مرات عدة لتسرع الى الحمام تستحم و ترش قليلا من العطر لكنك ستعود اليها مجددا مختالا بما تملك و تبقى كجسد بعيدا عن هذا العالم الأسود أما الروح فربما تكون أسوء بكثير من أرواح شخصيات الرواية و في هذا يبدع الكاتب, ينجح في كشف أروحنا المتبرجة بأجسادنا..هي رواية تدق ناقوس الخطر في ظل لأزمة الاقتصادية الحالية و مشاكل الاحتباس الحراري رغم أنها كتبت في نهاية الثمانينات الا أنها ليست بعيدة عن واقعنا الحالي..عالم مواز لعالمنا تنتهي فيه الأشياء ببساطة و تنعدم و كأنها لم توجد من الأساس حتى اللغة تصبح بلا معنى باختفاء الأشياء ليصبح قاموسها مجردا من لغة النور فتتكون لغة أخرى مصدرها الفوضى.
هذه هي بلاد الأشياء الأخيرة التي أختار لها بول أوستر أسلوب مشوق  و لغة سلسة فجاءت الأحداث منسابة في حبكة درامية مأساوية و قد توقفت كثيرا أمام الغلاف التي اختارت النسخة العربية له حدث مهم من الرواية لترصده بالصورة و ترمز به للنهاية و هي تيمة أساسية في الرواية.
مسألة أخرى انتبهت إليها و أنا أقرأ و لا أدري مدى صحتها حيث قد تكون مجرد صدفة لكني سأضعها هنا و نفتح حولها نقاش و هي اسم الشخصية آنا بلوم حيث نجد لهذه الشخصية صدى في الحركة الدادية التي ظهرت أثناء الحرب العالمية الأولى كرفض لكل القيم و المثل الأخلاقية و رفض للحروب و مأساوية أحداثها, آنا بلوم شخصية صادمة في قصيدة لأبرز رواد هذه الحركة كورت سويشيرز و القصيدة تحمل اسم أنا بلوم و تحكي قصة حب ساخرة في واقع ضبابي..هذا الضباب نفسه نجده في رواية في بلاد الأشياء الأخيرة فهل هو تشابه مقصود أم مجرد صدفة أمر يستدعي البحث.
 تجدون القصيدة على هذا الرابط 





المراجعة بالفيديو
http://www.youtube.com/watch?v=a2g_XuAtzYQ&feature=youtu.be

Commentaires