ماريو بارغاس يوسا هو من الكتاب الذين يحذرون أقلامهم من أن تكتب شيئا سهلا في متناول القراء,فهو القائل في احدى حواراته "اني أفضل الأدب الجاد ,المقلق, الذي يشغل البال ", قصة مايتا لا تخرج عن هذا النوع من الأدب الجاد, فهي رواية تمنحنا الفرصة للارهاق العقلي و النفسي من تتبع طريقة سرده للقصة عبر نسقيين زمنيين يختلط فيهما زمن الراوي الأول (الكاتب) بزمن الرواة الذين يستجوبهم وبزمن ثالث هو زمن البطل فتتسع دائرة القصة لتصبح متاهة نخرج منها سالمين أحياناو نخرج منهكين حين يوصد يوسا كل الأبواب و يجعلنا حبيسين لقصة رجل يشبه السراب في تخيل وجوده الفعلي, في قصة مايتا نلتقي بتاريخ مبتور , تاريخ تكثر عاهاته,شبه تاريخ وشبه واقع,كل هذا في جسد روائي صادق, عبقرية يوسا تظهرفي أنه نبي كذاب , يكذب و نحن نصدق بمحض ارادتنا الكذبة , هل في هذا اسقاط ما يا يوسا هل يريدنا أن نعتقد أن التاريخ في حد ذاته كذبة كبرى و أن كل الايديولوجيات لا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان مكسر يقول يوسا "لن يكون ما سأكتبه هو القصة الواقعية بالفعل , انما رواية نسخة مختلفة جدا عن الواقع..بعيدة عنه,بل مزيفة ان أنت شئت" صفحة 97 و يعود في نفس الصفحة ليؤكد "انني واقعي , أحاول أن أكذب دائما في رواياتي و أنا أعرف السبب , انه أسلوبي في العمل,و أعتقد أنها الطريقة الوحيدة لكتابة قصة بالانطلاق من التاريخ".
و نحن نقرأ قصة مايتا نجد أنفسنا نتسائل هل شخصية مايتا حقيقية ,فنسرع بالبحث عنه في مواقع البحث عن اسمه و تاريخه فلا نجد له أثر في التاريخ فنضحك من أنفسنا و يضحك علينا يوسا فهو يكذب و أكد لنا ذلك مرارا و مع هذا نتعلق بأمل أن يكون التاريخ صادق,ما هذا الهراء , قلتها مرارا لكني سرعان ما أتراجع عنها لأؤكد عبقرية يوسا , مبدع لأنه يحكي واقعا بأسلوب فانتازي خيالي أو كما قال في الصفحة 399" أختلقت بيرو قيامية, تعيث بها الحرب و الارهاب و التدخلات الأجنبية خرابا,و لن يتعرف أحد بالطبع على أي شيء و سيعتقد الجميع أنها محض خيال" يوسا هول لنا القصة حتى تصبح أكثر صدقا يزرع في عقولنا الشك , الشك المثمر الذي يدفعنا للبحث و البحث و هذا البحث ينتهي بنا الى تاريخ أكثر تنقيحا و هذا بالضبط ما يبحث عنه يوسا .
الملم و لو بالقليل من ترجمة حياة يوسا يستوعب أن الكاتب فيه شيء من  مايتا أو أنه استخدم هذه الشخصية كرد راديكالي عن اليسار الاشتراكي الذي آمن به سابقا و الذي ينكره الآن و هو المنضوي تحت تجمع ليبرتاد او تجمع القوى الديمقراطية المناهضة للماركسية الذي يمثل اليمين الليبرالي, من خلال مايتا يشرَح اليسار الاشتراكي في البيرو و يلومه على تعثر التقدم في البلد و هذا ما يظهر بشكل جلي في جعله مايتا شخص مخنث أو مثلي و لفظة مخنث أصابتني ببعض القلق لأني أرى استعمالها لا يتناسب مع شخصية مايتا و افضل كلمة مثلي, يقول يوسا في صفحة 417حين سئل عن سبب جعله مايتا شاذا جنسيا "من أجل التشديد على هامشيته, ووضعه كرجل يغص بالتناقضات,وكذلك من أجل اظهار الأحكام المسبقة حول هذه القضايا بين من يفترض فيهم أن يحرروا المجتمع من عيوبه ,حسن,و لست أعرف بدقة لماذا هو كذلك"هذا هو جوهر قصة مايتا تحميل  اليسار الاشتراكي مسؤولية تأخر البيرو عن نظيراتها من الدول في امريكا اللاتنية و لهذا اسباب عدة حاول يوسا رصدها في قصة مايتا بين انعدام الوعي و التشققات و الخيانات التي تسببت في ترهل جسد الاشتراكية و زوال  بريقها.
فمن هو مايتا ؟
في بداية القصة يخبرنا الراوي الأول (الكاتب) أن مايتا زميل دراسة  زرعت فيه بذور الثورة منذ صغره و هو المتسائل "لماذا يوجد فقراء و أغنياء ابتاه , السنا جميعنا أبناء الرب؟" و بزهده و ابتعاده عن الترف و تعاطفه مع الفقراء لحد الصوم و الامتناع عن الاكل تتكون أول خطوات مايتا في درب الثورة , تستمر حياة مايتا مع حكاوي رواة آخرين عاشروه و تقاسموا معه ذكرياته التي يلمها الراوي الأكبر فنعرف منهم انخراطه في اليسار الاشتراكي ثم انتسابه للتروتسكيين ثم انشقاقه عليهم بعد تعرفه على بايخوس الذي وعده باليوم الموعود و قيام الثورة الفعلية في منطقة جغرافية تكدر مزاج مايتا و تنهكه جسديا و لعل يوسا اختاره عمدا لسبب في ذهن يعقوب ,في خاوخا بايخوس يحدد مراحل الثورة و التمرد العسكري و يضل مايتا الى جانبه في حين تخلى عنه الجميع الا فتيان همهم الوحيد القيام بمغامرات أكثر من الثورة في حد ذاتها و يظهر هذا جليا في جهلهم بالنشيد الأممي و اكتفائهم بالغناء و الضحك و هم في طريقهم الى القرية مهد الثورة كما أرادوها و لعل هذا ايضا تعمده يوسا ليذكرنا أن اليسار في اساسه صبياني و لا يقوم على أسس جادة و الا كانت الثورة قد نجحت , مايتا ملامح شخصيته تصبح كخيوط بيت العنكبوت يمسكها الراوي الأكبر و يستخدم لبنائها باقي الرواة فتأتي الشهادة صادقة أحيانا و أحيانا أخرى حاقدة و تجتمع كلها في حقيقة غائبة يصعب الوصول اليها , لن نخبر بنهاية مايتا و بحقيقته لانها جوهر القصة و لو أخبرنا بنهايتها سيفتقد القارئ متعة قراءتها لهذا ننصح وبشدة بقراءتها لانها تستحق القراءة و التمعن في كل أحداثها لنسقط ما نقرأ على التاريخ برمته و نسأل , هل التاريخ "المروي" كما وصل الينا و كما درسونا أكاديميا صادق أم تتخلله شهادات شخصية .
</b>

Commentaires